الاثنين، 7 أكتوبر 2013

صباحات الموقف !

لا تعرفُ فيروز السفر صباحا بالميكروباص ؛ لا تعرفُ زخم الموقف ؛ بفتح القاف ؛ و بالتأكيد رؤية الشباب من السواقين و التباعين و الباعة و البلطجية الذين يحملون أشكالا متعددة من الزخارف و الوشم على سحناتهم ؛ مخلفة "موتيفات" تصلح بشدة لكتاب الدراما المولعين بالواقعية ؛ قال زميلي " أووف ؛ الموقف و الميكروباصات و الاشكال الغلط اللى على الصبح ... ربنا يتوب علينا" بدت لي شهادته "فوقية " ؛ بدا لي غريبا و غير متسقا مع نفسه .. فلم أكن أرى في الموقف سوى عالما موازيا ؛ مملوءا بالحياة و الحركة .. في رؤيتي الأفقية للحياة كمتفرجة ؛ لم يكن يعنيني التداخل مع أصحاب الوشم و توصيفهم " بالأشكال الغلط" ؛ لأني لم أكن انوي التورط في الحياة ..
و بقدر عشقي للسفر و الطرق المفتوحة ؛ إلا أني صرتُ متورطة بشكل ما في لعبة نفسية مُرهقة صبيحة كل يوم سفر ؛ مرتين في الأسبوع الواحد .. الانتقال من دفء المألوف / المنزل إلى الغربة الافتراضية / الحلم و تحقيقه ...و ما بين الأيام التي أقضيها هنا يُرهقني التغيير ... من غرفتي ذات البساط الوردي الداكن إلى غرفتي العارية من الأثاث و المتسعة قدر الوحدة التي في القلب ؛ قصر المسافة و الوقت الذي يفصل النقيضين عن بعضهما أورثني الإرهاق ؛ ليصير لزاما عليّ فيما يأتي مستقبلا بأن أطيل المكوث في بلاد الوحدة حتى لا يورثني دفء البيت القريب ضعف العزيمة !
فيروزأيضا لا تعرفُ معنى أن يُدخن السائق بالجوار ؛ و يفتح القرأن الكريم بأعلى صوت ثم "يسب الدين" للراكب بالخلف الذي أصابته شذرات السيجارة المشتعلة فصاح للسائق يطالبه بأن يُطفئ "الهبابة دي" .. التنوع اللفظي من اللعنات و السباب في اللحظات التالية كانت كفيلة بجعل صوت القرأن الكريم مبتذلا في ذلك المشهد  الذي صار يتعامل مع الذكر الحكيم كإكسسوار مناسب للصباح ؛ في لحظة ما من هذه المهزلة سيصعب عليك عدم التورط ؛ عزل نفسك عن المشهد ؛ السائق المحتدم و الركاب الثائرين ؛ و صوت فيروز العالي في سماعتي اذني ؛ نصبح جميعا في لقطة الكاميرا " اشكالا غلط" بالمرة !
" حمد لله على السلامة يا أبلة" .. لا يعرف الجالس بالمقدمة  أن المساحة التي يُشارك فيها السائق ستسمح بترقيته نوعا ؛ لا حظت بعد عدة سفريات أن الركاب يرمقونني بغيظ نظرا لصمتي التام و انعزالي عنهم أثناء مشاداتهم المستمرة مع السائق لتخفيض السرعة ؛ صمتي متواطئ ضدهم ..يتقوى به السائق نكاية فيهم.

سيلعن زميلي الأشكال الغلط / الروائح الغلط / الألفاظ الغلط كل صباح ؛ بينما أنا على الأرجح سأكف عن استخدام الميكروباص لا لشيء إلا أني و بصراحة شديدة أراهم جميعا متسقين مع ذواتهم ؛ بينما في العوالم الموازية الأخرى لا يتاح للأشكال الغلط التعبير عن أنفسهم بوضوح ؛ فننخدع نحن و نعاملهم بما لا يليق بهم .

بالمناسبة ؛ أرى في وصف " الاشكال الغلط"  عنصرية شديدة ... فلننظر مرة واحدة في المرايا ثُم نستغفر الله عن كل ذنب !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق