الثلاثاء، 24 سبتمبر 2013

أعطهم ظهرك و استكن !

من المزايا العديدة لموقع عملي الحالي ؛ أنني لو أعطيتُ ظهري للمكان  و يممتُ وجهي للأمام فلن يُطالعني سوى النيل ؛ السخافة التي تعلق بذرات الهواء حول حضوره .. يمكن للنيل أن يمسحها من على وجه القلب برفق .. برفق ؛ مع كأس شهي من الفواكه الطازجة  و الفراغ ... صدح البلابل الآوية إلى أعشاشها و استكانات السحاب في الشفق ؛ الليل المتمهل و ما تبقى من القمر ...كل ذلك يغسل روحي غسلا ؛ ماذا أعددت لي يا رب ... ليُكتب لي في السماء عدد الأنفاس التي سألتقطها هنا ؛ أطالع المكان و ابتسم لأنني قبل خمسة أشهرُ وقفت و التقطت صورة هنا كغريبة و مسافرة و ذكرى .. و أنا هنا  الان  يفصلني عن الفراش  القاسي الذي أُسند رأسي عليه ؛ في أخر الأمر ؛ مسافة الخمس دقائق مشي و ثلاث و ثلاثون تسبيحة.
 
الصباح صارت له طقوسه ... من أول شعاع شمس يسقط على وجهي من النافذة المفتوحة كقلب طفل ؛ لتجهيزات العمل و المغادرة إليه ... للمكتب في فراغه المحبب من كل كائن  للإذاعة الفرنسية التي تأسرني بعذب اللغة و دقة اللهجة ؛ حتى توافد الباقين على العمل و بدء الإيقاع في التصاعد أو التراخي حسب مقتضيات اليوم.
 
على الصعيد الداخلي :
 
سكنت الفتاتين الغريبتين الغرفة البعيدة التي تواجه باب الشقة ؛ احداهما مُتبسمة ضاحكة و الاخرى صامتة و نائية .. هكذا اكتمل عددنا , و صارت فرصة  مصادفة كائنات حية  في الطرقة الطويلة أمرا واردا و ليس مستحيلا :)  ربما يكسر صوتهما ذلك الصمت الذي يدوي في الأركان .
 
الان عليّ  أن أعمل ؛
يا رب  اشرح لي صدري و يسر لي أمري و احلل عقدةً من لساني يفقهوا قولي .

الاثنين، 23 سبتمبر 2013

big big girl n a big big world!

ككتابٍ مُغلق و بلا عنوان ... أسير في شوارع المنيا وقت الغروب و العصافيرُ تضجُ بالأعلى ؛ العصافيرُ ثرثارةٌ يا حبيبي الذي ليس بعد - و صاخبة ؛ أمر على الحوانيت التي تزدان بالدباديب و الدمى القطنية العملاقة و أفكر في ابتياع دبدوب بلون النبيذ المعتق يحتضن قلبا ورديا مكتوبٌ فيه " للأبد" ؛ دبدوب يصلح للعناق ؛ يصلح كهدية لألف عيد حبٍ مضى بغير قلوب حمراء أو ورود. لكني كعادتي الأبدية أدخل ُ و أُعاين الهدايا بإمعان ثُمّ أخرج خالية الوفاض ... اليوم قررتُ حفظا لماء الوجه أن أشتري ميدالية فضية نظرا لأن ميدالية مفاتيحي الكريستالية  شكت إليّ ثِقل حمولها ؛ و بعد أن ترددت خمس مرات بين الميداليات الزوجية لنسختي قلب يكملان بعضهما البعض ؛ فاجأتني ميدالية من المعدن المستطيل مرسومٌ عليها قلب أحمر صغير و مكتوبٌ فيها أن " أُحبُكَ لأّن " I love you because "
العبارةُ المفتوحة بلا تتمة ؛ أحبكَ لأّن
و أسبابُ الحبِ الكثيرة لا تستطيعُ قطعة المعدن المستطيلة أن تسعها ؛ لا يستطيع العالم !
أنا اليوم مثقوبة الروح كالحلقة المعدنية في طرف " أحبك لأن" ... و الأيامُ الباقية تحجلُ على قدمٍ واحدة ؛ و أنا أستندُ إليكَ ؛ أستندُ إلى العدم ؛ بينما أعيدُ تشكيل القلب كصلصالٍ غير قابل للكسر .
و العمل ؛ كدائرة من دوائر الدُخان لسيجارة عملاقة ؛ كثيفة و متسربة ...كلما قبضتُ على احدى حلقاتها ...انفرطت يداي عن هواء .
أنا اليوم حزينة و مُنهكة ؛ و بحاجة الى حضن طويل و مديد  ليفكك كل أنحائي المتشنجة و يُعيد لملمتي  من جديد على هيئة " الفتاة الشجاعة التي لا تخش شيء" ذلك الوهم الذي أسجنُ نفسي قيده.
*هامش*
للتدوينة أُغنية هنا :

في يومٍ ما ؛ سأقابلك أخيرا و أترك في يدك (أحبك لأن ) و أمضي !

الجمعة، 20 سبتمبر 2013

ثرثرة ع الماشي !

سأكفُ عن الادعاء بأنني لا زلتُ طفلة ؛ المرايا تزُج بي في خانة الثلاثين ... و وجهي فقد الكثير من استدارته ؛ لا زلتُ  أبتسم  في الصباح و لازالت عيناي تلمعْ ... قال لي حبيبٌ قديم أن عيوني ستفضحني بالعشق .. لكني لم أدرك ؛ هو أيضا لم يدرك  حينها أنني لو أحببتُ بصدق فلن يُضيرني إخبار كل عابر سبيل أني عاشقة  حتى الثُمالة ؛ فلا شيء يحررني في العالم كالحُب .
 
و ما الضيرُ في إشراك العالم في نور سعادتك  المُشرق ؛ نحنُ نتباهى بالحزن و نحرص على توزيع تركته بالتساوٍ على كل القريبين و البعيدين ؛ أفراحنا الشحيحة تزيدُ من رصيد أنانيتنا ؛ تنقصُ من انسانيتنا ... ثُم أنني أكره المقدمات الطويلة التي تدعي الحكمة ؛ أنا أبعدُ ما أكون عن الحكمة ... أنا حتى كففتُ عن رسم عين حورس  كرمز لي ؛ حورس كائنٌ بائس في هذا العالم ...
عن ماذا أريدُ أن اخبركم ............ اه عن القادمين الجدد :)
 
القادم الجديد يحمل ابتسامة  عريضة  و شمسين  صغيرتين في عينيه ؛ بذقن نصف نابت ...ذكرني كثيرا بذقنك خاصة انه يمتلك دوامة صغيرة من الشعر تتجه نحو اليمين ,في خده الأيسر ؛ تُشبه الدوامات التي تحدثُ في البحر ... كنتُ كلما جمعنا قرب ما أتلصص على دوامتك ؛ التساؤل في نفسي هل يغوص اصبعي فيها لو تلمستها و إلى أين ستأخذني ؛ لم يكن القُرب أبدا من نصيبي معك و لا كان بإمكاني تمرير أصابعي فوق ذقنك نصف النابت ليصير لأصابعي مذاق الشوك!
 
أحدهم جاء إلينا أيضا ؛ بعيون ملونة  و شفافة (ما قصتي في هذا العمل الذي يجمع كل الرجال  ذوي العيون الملونة في العالم) بعيون واسعة و أهداب طويلة - على هامش دفتر الغربة - نصحتني صديقة عزيزة بغض البصر ؛ فاسترعت انتباهي الى نقطة  ما ... " التوصيف" أنا أتوقف عند الملامح كلوحات عابرة ؛ أشاهدهم كعالمة انسانيات (أنثروبولوجي) , و أُسجل أوصافهم  فلا يعنيني جمال عيونهم بقدر ما تُثيرني تدرج ألوانها  فتقترن الصفة بالموصوف و يغنيني ذلك عن الشرح لاحقا ... المهم : صاحبُ العيون اللبنية  حاد الذكاء ؛ يستطيع القراءة بسرعة و العمل متواصلا ... لا يمل كثيرا من الرد على تساؤلاتي ؛ لا أفهمه و لا يُغريني  بالقُرب منه ... أعتقد أن هالات أرواحنا لا تتفق ؛ ربما أنا أنفر تلقائيا من الهالات التي تحيط بأصحاب النفوذ و هو في مقامه و مكانته ربما الأعلى سلطة و نفوذ حتى الان .
 
ثُم أن الديك الشركسيّ بات لا يكف عن الصياح و لا نفش ريشه كطاووس صغير ؛ ماذا لم أخبركم عن الديك الشركسي من قبل ؟؟؟؟؟؟
 
تباً  للنسيان  :)
 
 
 
 
 

الجمعة، 13 سبتمبر 2013

on the way to south !

ربما في الغد ؛ سينصلح الحال
الرجل ذو العينين المائلتين الى الخضار ؛ يحمل اسما تركيا و ظلا أخضرا لرجل عملاق ...يكاد يتعثر في ظله و أضحك عليه من وهم الصورة ...أنا تخلصتُ من ظلي فلم يعد يشغلني تتبع انعكاسه خلف قامتي في كل مكان ؛ في عينيّ كل شخص .. أنا لا أهتم .
في رحلتي المكوكية الى المدن البعيدة على أطراف المنيا غربا .. البلاد الموجودة فقط على حدود النسيان , تسقطها الخرائط سهوا ..يسقط ساكينها سهوا .
في البلاد الأخيرة التي تحمل رقم خمسة في نطاق عملنا ؛ نسأل عن الطريق فيخبرنا الناس (كدا طوالى خليكوا مغربين ) البلاد تقع في "الغروب" الغرب بلهجة أهل الصعيد و تحمل اسما يجعلني أضحك.
على مدخل المدينة تطالعنا القبور .. كعادة البلاد تقع المقابر خارج القرية , دائما ما تصيبني مطالعة القبور بالشجن؛ الموت لا يزال حاضرا بقوة في مفرداتي ؛ زائرا و مقيما ... الموت يُرسخ في وجداني شعور عدم الرغبة في الارتباط .. تُعجبني فكرة كوني خفيفة في هذه الحياة و أنني لن أترك الكثير من الروابط خلفي لو رحلت .. ضيفا خفيفا يرحل بمجرد ايماءة خفيفة من الرأس.
لا تزال مساحة العمل المفترض بي القيام به مثارا للجدل كوني أعمل عملا اداريا و ليس من المفترض او اللائق أن أعمل ميدانيا ..إلا أنني على المستوى النفسي أخوض جدلية اخرى ما بين أن العمل الإداري لا يمنحك خبرة العمل الميداني ؛ و كون أني حقيقة أُحب التداخل مع الناس ..أُحب المسافات الطويلة و تتبع العمل على أرض الواقع أكثر من انهماكي في الترجمة و التقارير التي حرفيا "تسرق العمر" .. لكن هناك الكثير من الأمل في الهواء حولي ؛ كون المشروع في البدء و جميعنا متورطين حتى النخاع في العمل بمفهومه الأعم و الأشمل :)

على خارطة المنيا نرسمُ نقاطا حمراء تُشير للبلاد المنسيّة التي نعملُ بها ؛ على خارطة الوقت و العمر ...ننتظر الآتي بقلب يرجو الله صدق النية و سلامة النفس و ابتغاء مرضاته في كل قول أو فعل .

المنيا .

الأربعاء، 11 سبتمبر 2013

صبّار

كيف أستطيع وصفك ؛ أو توصيفك لتسكن الروح ؛ هنالك متسع من البراح بداخلي ؛ وسع السماء !
أستطيع أن أحتضن العالم .. في لحظة من لحظاتي الأثيرة .. حينما يرسم السلام الداخلي طرقا واسعة و مضيئة و ممهدة ؛ حينما أُقبل على الحياة التي غالبا ما أعزفُ عنها ؛ تخبرني أنى مثالية ولم أرّ ما رأيت ..فأقول " خبئني مما رأيت ؛ فأنا لن أستطيع تحمله" و لا تكتمل كلماتنا ؛ نحنُ لا نكتمل .

لا أستطيع تتبع أثر عينيك ؛ لا أستطيعُ التماهي مع فكرة تعصفُ بي , الوحدة قادرة على جعلي أكثر رهافة و أكثر توقا للقُرب , الله أقرب لي منك , الله يأمرني أن أصبر و أنا أُحبُ فعل الصبر و سماحة روح الصابرين.

الطرق الصحراوية الممتدة تنمحني السلام طويلا ؛ و أنت تُشبه الصبار .. كنتُ سأسميك " الرجل الشمس" ؛ لكني أقتربُ منك بأمان و لا أحترق .. أنت "الصبّار" الذي ينمو وحيدا و يُزهر بصعوبة... الناس من حولي يدخلون حيز التوصيف ؛ بينما أنسحبُ انا من المشهد .. أتلاشى في الخطوط الباهتة لدفتر التدوين .. أتلاشى رويدا رويدا بينما يسطعون هم " رجل الغياب" و " الغريب" و "الصبار" و " صاحبُ الظل الشفاف"  و الولد الصغير الذي كنتُ أحبُ ؛ فنضج مبكرا و كسرني...

كلهم يسطعون كشموس صغيرة ؛ و أنا أنسحب كغيمة خفيفة و مسافرة !

الثلاثاء، 10 سبتمبر 2013

المدينة تنتظر !

على مقياس ريختر للوحدة ؛ الساعات التي تلي العمل هي الأشد وطأة .... من الخامسة حتى ميقات النوم ؛ يمكنني الخروج للتسكع قليلا ؛ السير على الكورنيش ؛ احتساء مشروب عجيب أو التردد على المحلات بهدف شراء " الحاجات العبيطة" من عينة الشموع المعطرة و الحليات البلاستيكية .. القضية هي أنني بمجرد نزع ملابس العمل و ارتداء ملابس المنزل احتاج الى إرادة حديدية لحملي على النزول مجددا :) الشرفة تصلح أحيانا لدرء هزات الوحدة المتتالية ؛ الكتابة حل فعال للصراخ مجددا ؛ التفكير فيك لم يعد يجدي.
لماذا يذهب الأصدقاء الى حيثُ لا يعودون بالرغم من كل الظروف المهيئة لإفتعال خروجات ممتعة ؟!!

اليوم السادس هنا ... أفكر أنني سأقيم احتفالا كبيرا اذا صمدت لليوم المائة .. أربعٌ و تسعون ليل , أربعٌ و تسعون نهار و أنني سأقرر بعد اليوم المائة هل أنا شجاعة بما يكفي أم أنني كسبت رهانا راهنته قديما و عليّ أن أعود.

يُضايقني أن القطارات لا تعمل ؛ المدينة شبه متوقفة و الكل ينظر لي بإشفاق و يخبرني : هونك حتى تبدأ الجامعة ؛ تبدأ الحياة و لا تنتهي .. هنا في سكن الطالبات المغتربات ؛ تستعد الجدران لاستقبال المزيد من الدعوات باجتياز الامتحانات على خير ؛ بينما في غرفة واسعة ؛ في أخر الرواق الطويل ؛ غرفة لها شرفة تطل على شارع مزدحم ..ثمة بنت وحيدة تجتاز أصعب امتحاناتها على الإطلاق و تبتسم ؛ برغم كل شيء لأنها تؤمن بطاقات النور التي تُضيئها السماء كلما أشتدت الأرض ظُلمة!

المنيا ؛ مجددا و لوقتٍ غير معلوم..
هدير 

السبت، 7 سبتمبر 2013

سفريّة

كطفلةٍ في أول يومٍ للمدرسة ؛ أشحبُ و يؤلمني جسدي ... 
لأن سفرا ينتظرني في أول الليل؛ و برغم كل شجاعتي و عنادي امتثلُ لأمي و رغبتها في تأجيل السفر للصباح الباكر بسيارةٍ خاصة و سائق ؛ و كطفلةٍ نجحت في المغيب و فوتت يومها الدراسي المخيف ..تعود لي عافيتي و أتورّد.

*هامش*
أنا / في نسختي المُطيعة

الجمعة، 6 سبتمبر 2013

الرجال ذوي العيون الملونة

أعمل مع الرجال ذوي العيون الملونة ؛ 
الرجل ذو العينين الأشد زرقة  أخبرني بأنه سيترك العمل ...و أنا لا أعرفُ مقدار ما أشعر به من الارتباك لأن لقائين عابرين كانا غير كافيين لرسم صورة واضحة عنه ؛ الرجل الستيني الذي  عمل في حياته طويلا ليؤسس مبادئا خاصة تمنحه شجاعة الاعتراض و ترك العمل حال الخلاف المبين؛ سأتعلم منه تلك الفضيلة و أحتفظ بمساحة ود قائمة له .

الرجل الأخر ذو العينين الضاربتين الى الخضار يكبرني بعامين اثنين و يُسيّج نفسه بسور عالٍ من الإعتداد بالنفس مدعوما بتجارب واسعة .. الرجلُ الذي يبدو ... كيف يبدو ؟؟ لا أدري لكنه من الرجال الذين يأكلون بالشوكة و السكين و يتحدثون بالشوكة و السكين ..

كيف يمكننا رسم صور لذواتنا دون الإمساك بانعكاسنا في المرايا و مطاردة حكاياتنا عبر الذكريات ؛ يقول الرجل الطيب الذي جلس الى جوارى في طريق العودة : على المرء ألا  يتعامل بشفافية أكثر من اللازم مع البشر .. و أننا يجب أن نحتفظ بافتراض حسن النية في الجميع حتى نستطيع المداومة على استرجاع سلامنا النفسي ؛ أقول في نفسي : أنا مللت من التداخل مع الناس ... على المقياس الجديد للصواب و الخطأ ؛ ارتكبتُ أخطاءا فادحة في الفترة السابقة ! أكثرها فداحة على الإطلاق افتراض حسن النية !!!
يحدثني الرجل الطيب عن السلام النفسي ..فأقول له أن المؤمن لا يُلدغ من جُحر مرتين.

أسجل الأخطاء الأولى في دفتر خاص ؛ لأنني لن أتحمل أي فشل جديد .. و أبحث في جدية عن عمل جديد في المدينة البعيدة ؛ الأبواب تُشرع فقط لمن يطرقها.

على هامشٍ جانبي ؛ يأتي اسمك فلا أستطيع مقاومة السؤال عنك ؛ يخبرني الرجل الطيب الذي تعشقه الأرض "فقري" ..فأبتسم في أسى و أطالع الطريق ؛ كيف أصبح حتى مجرد ذكر اسمك يثير كل ذلك الأسى حتى في الهواء الذي أتنفسه بعدما كان يثير الفخر و الفرحة.
هل تؤلمك خسارتي؟ هل يخطر على قلبك الغافل أنك خسرتني ... و أننا لربما كنا الان نطوي الغربة التي تعصف بي بمكالماتٍ هاتفية طويلة أخبرك فيها عن يومي و تخبرني فيها عن يومك قائلا لي "ماشي يا عسلية " ..

أنا أتعرف على عالمي كطفل يتعلم المشي لأول مرة بعيدا عن أيادٍ تستنده ؛ أتعلم المشي .. لكني حتى الان لا أستطيع نصب قامتي و لا نصب قامة قلبي تحت هذه السماء الغريبة .. (المنيا ).

الأربعاء، 4 سبتمبر 2013

عندك واحد غربة هنا و صلحه !

عن أن كل ما مضى هو (حماده) و اللى جاي (حماده) تاني خالص !

الثلاثاء :

قل ما تشاء عن أن المسافة بين بيت أمي و المنيا لا تتعد الثلاث ساعات بأي حالٍ من الأحوال ؛ المسافة ما بين عملي و إقامتى هنا لا تتعد العشر دقائق بل أقل سيرا على الأقدام , لا تسألني أين المشكلة ... لأنني سألتُ نفسي في المرآة صباحا و لم تجاوبني التي تشبهني هناك.
أتذكر صدمتي قليلا حينما تسلمت مفتاح مكتوب عليه اسم ساكنة سابقة للغرفة ؛ الأمر حقيقي اذن ؛ صدمني فراغ المكان من الأثاث ... السرائر مفردة و موغلة في التوحد سريرين لكل غرفة ,, غرفتي واسعة بما يكفي لتصب لي كأس الاغتراب حتى حافته و لا أحد هناك يمنعني من التعاطي ؛ الكتابات على الحوائط تسأل الله النجاح بامتياز في مشروع التخرج !!! و انتهاء مواسم الامتحانات على خير ؛ قالت لي صاحبة المكتبة في الواجهة (أيوة يا دكتورة اتفضلي) و لما تبسمت ضاحكة من قولها (عرفتى ازاي ان انا دكتورة) أجابتني بأنه لا يسكن هنا سوى طالبات الطب او الصيدلة او الاسنان أو الهندسة ..و أنا استثناء جديد للقاعدة كوني أبدو دكتورة و ليس مهندسة و حقيقة اني لا هذه و لا تلك :)
لم يكن ينقصني سوى الغبار و تراب السنين يتراكم على كل سنتميتر مربع ؛ أنا الساكنة الوحيدة لأن الدراسة لم تبدأ بعد و عاملات النظافة لا يبدأن سوى مع بداية الدراسة ؛ ثمة حقيقة لطيفة مفاداها أن تنظيف غرفة مغلقة منذ ما يقرب على ثلاث أشهر هو الحل الحقيقي لسؤال وجودي قديم : كيف سأنام ليلتي الأولى و من أين يأتي النوم ...سيأتي من الإرهاق و هدة الحيل يا غالية !!!


الأربعاء:

ليس الأمر سهلا أبدا ؛ تقول تعليمات  الأمن للأمم المتحدة للعاملين بها , احرص على عدم حمل مبالغ مالية كبيرة (هتيجي منين يا حسرة) ..احرص على السير بطبيعية حتى في الأماكن غير المألوفة لديك ؛ احرص على عدم لفت الانتباه في حال ضللت الطريق و لا تسأل اي عابر بل اسأل صاحب محل او متجر ... لا تجعل نفسك هدفا ....و أنا التي فقدت حاسة الاتجاهات في ظروف غامضة  أستطيع أن اضل طريقي بسهولة الماء في مربع سكني من شارعين متوازيين و بضع تقاطعات .. ليس الأمر صعبا  ..كلا البتة لكني استعذبت أو استسهلت  سؤال الناس و الاستماع الى حرارة وصفهم ... متبوعين بنظرة شفقة (أكيد طالبة مغتربة يا عينى ) فعلا (يا عينهم). وش مطلع لسان !!!
لا تسألوني عن العمل ؛ ليس السرية هي ما تمنعني عن الحديث عنه ...كلا البتة ؛ بل عدم الفهم العميق لمجريات الأمور ... أستطيع أن أنجو لو قضيت الخمس و عشرين سنة القادمة في قراءة عدد من المستندات التى تهتم بنظرية الأمن الإنساني .

أنا بعمل كده في نفسي ليه ؟؟؟ 
ربما لأن حجم الفراغ الذي تخلفه إجابة هذا السؤال داخل روحي تدفعني دفعا لاستهلاك نفسي في تحديات جديدة , تقنعني بعد فترة بأنني أفعل الصواب .

يارب ؛ و أنت العارفُ و أنا الجاهلةُ حتى الثمالة ... ضعني على طريقك و اهدني سواء السبيل .
  

الاثنين، 2 سبتمبر 2013

غدا - Drama Queen

 غدا أفتحُ دفتر الغربة على رحابته لأقضي ليلتي الأولى بالمنيا و بعد عددٍ من الوداعات لأحبة , عليّ الان أن أحزم أمتعتي استعدادا للرحيل بالصباح الباكر... 
ذلك الطريق المفتوح بامتداد الجنوب يُغلق باب قلبي بمزاليج و أقفال عديدة , محملة بدعوات صادقة و دموع ... ليس الأمر مثيرا لكل تلك الدراما / على اعتبار السكن بعيدا عن المنزل بمسافة ثلاث ساعاتٍ لا يدنو من مراتب الغربة أصلا ...لكن كيف يمكنني تخيل وضع رأسي على السرير الغريب ثم الاستغراق في النوم للاستيقاظ بالمكان الغريب ؟ أنا التي قضيت جل عمري في استشراف (أسرّة غريبة) و بلادا أغرب ؛ أفكر في الأمر بجدية  الان!!!!!!
مساحات البراح التي في قلبي تخبرني بأنني سأنجو من الوحدة ؛ قبلتين من شيماء "قطر الندى" و حضن طويل على الناصية و وعدها لي بأن الأمور ستصير أفضل تُسكن بعض ألمي ... متعانقتين, ناضجتين بما يكفي..... نحمل الحلوى و نبكي !

حمادة أيضا الذي احتضتني مطولا  في الصباح قائلا لي : مش قلقان عليكي و قبلني على رأسي ؛ ثم كتب لي قائمة بكل الأدوية التي عليّ ابتلاعها بانتظام ؛ لم يكتب لي عن دواء للحنين ؛ (عايزك تاكلي كويس ...فاكهة كتير و خضار و مية ؛ اشربي مية كتير) سيكون هناك الكثير من المياه يا محمد .. نيل كبير جدا لا تعرفه أنت لأنك لم تذهب للمنيا من قبل ؛ نيل كبيييييييير .

كنت أحزم امتعتي و أضحك على الأشياء التي تعودت تركها في المنزل البعيد الذي يُشرف على السماء* ... أشياء تافهة تجعلني أشعر بالحميمية ؛ بنس الشعر , فرشاتي الخاصة, حذاء ذو كعب عالي (حتى لا أضطر لحمل عدد مهول من الأحذية كل سفرية, حال فجأتنى خروجة شيك - أنا لا أعتمد سوى الكوتشي (حذاء رياضي ) في سفري ؛ شاور جيل برائحة  الزهور البرية ( أول ما أبتاع في اي سفر هو شاور جيل مختلف الرائحة ليصبح لكل مكان في الذاكرة رائحة بمجرد استنشاقها تعود لي ذكريات المكان) ... ايشارب خاص للنوم ليلا (يصلح للصداع و للفة الطاقية (؛ ) أقلام كحل عديدة (لا أستطيع العيش دون كحل) ...تفاصيل صغيرة ترسم خرائط مهولة الحجم داخل روحك ... تفاصيل صغيرة تصلح لتدوينها في دفتري الخاص لأطلع عليها (داليا) فيما بعد قائلةً لها : ( خلصيني من داء التعلق)!

الطريق نحو تحقيق الذات طويل و مرهق ؛ لأتربع على رأس هرم ماسلو و أغرس راياتي هناك قائلة له : يمكنني الوصول للأعلى حتى لو فوتنا درجتين من هرمك دون أن يختل البناء و دون أن ينهار الهرم على أم رأسي !

يا رب لا تخذلني في ظني بنفسي بأنني أستطيع ... يا رب هوّن عليّ .


هامش*
* مصر - شرفة كبيرة و سماء بلا حد.